الملل مفيد، لماذا؟ وكيف تجعل الملل يخدمك؟
في عالمنا السريع والمليء بالمغريات والناس التي تتنافس مع بعضها البعض لتحضى بانتباهنا لتثمينه، صرنا نعتبر الملل جحيما أو مرضا يجب التشافي منه بأسرع وقت ممكن، ويا ويل يتهمك أحد ما به، لا أحد يريد أن يكون مملا، أو الأسوأ يكون مع آخر ممل. لكن الملل في الحقيقة فرصة ذهبية للكثير من الإيجابيات، ولعل أقرب مثال حي هذا الكتاب نفسه بين يديك، معظم الأفكار التي نتوقع أن تعجبك دونها الكاتب وهو في لحظات ملل، بما في ذلك هذه الفكرة ذاتها التي أنهيت للتو قرائتها.
من منظور علم الأعصاب:
- الملل يسمح لعقلك بالدخول في حالة الشرود الواعي (Mind-Wandering State) وهي حالة تنشيط لشبكة الوضع الافتراضي (Default Mode Network) في الدماغ، التي تساعد على إعادة تنظيم الأفكار، الربط بين المعلومات القديمة والجديدة، وتعزيز الإبداع.
- يعيد ضبط دوائر المكافأة في دماغك، ويكسر التعلق بالمحفزات السريعة.
- يساعد في معالجة المعلومات المتراكمة وتنظيم المشاعر.
ومن فوائد الملل:
- تحفيز الخيال والابتكار
- تهدئة الجهاز العصبي
- تحسين القدرة على حل المشاكل
- تعزيز الحكمة الداخلية
- تعميق الحضور والاتصال بالذات
كيف تطور قدرتك على تحمل الملل باستعمال الروتين اليومي؟
- الانتظار بدون هاتف: في الطوابير أو المواصلات، اترك الهاتف جانبا، ولاحظ محيطك.
- وقت الفراغ المجدول: خصص 10 دقائق يوميًا للجلوس بلا هدف: لا قراءة، لا تصفح، لا موسيقى. فقط اجلس وكن.
- المشي الواعي: امشِ لمدة 15 دقيقة دون أي ملهيات، ولاحظ الأصوات الطبيعية وخطواتك.
- الاستيقاظ البطيء: أبعد الهاتف في أول 30 دقيقة من يومك، وابدأ صباحك ببطء وتأمل أو ببعض الحركات اللطيفة.
تمرين:
اجلس في مكان هادئ. اضبط منبهك على 5 دقائق. لا تفعل شيئا: لا حركة، لا قراءة، لا تصفح. كرر التمرين يوميا، ستلاحظ أنك تصبح أكثر قدرة على الجلوس مع نفسك دون ترفيه خارجي.
الملل ليس عدوك، بل طريقك لإعادة الاتصال بنفسك، بأفكارك، وبإيقاع الحياة الطبيعي. في عصر الإدمان الرقمي، أصبح الملل مهارة مفقودة ورفاهية لا يستطيع الجميع تكفل ثمنها، وقد حان الوقت لاستعادتها.