في السنوات الأخيرة، تصاعد الجدل العلمي حول ما إذا كان بالإمكان اعتبار الاستخدام المفرط للتكنولوجيا - مثل الحواسيب والهواتف الذكية، وسائل التواصل الاجتماعي، الألعاب الإلكترونية - نوعا من الإدمان السلوكي، وهذا السؤال لا يتعلق فقط باللغة ودلالات الألفاظ، ونقاش ما الكلمة المناسبة، بل له تبعات قانونية واقتصادية وسياسية، ولهذا بدأت تنشط مجموعة من الأكاديميين والعلماء يحاولون تطليق كلمة "إدمان" من كلمة "تكنولوجيا".
من يقول أنه إدمان؟
علماء النفس والأعصاب المتخصصون في اضطرابات الإدمان السلوكي لا يدعون أن "كل مستخدم للتكنولوجيا مدمن"، بل يؤكدون على أن نسبة صغيرة من المستخدمين تظهر عليهم علامات واضحة تتطابق مع معايير الإدمان السريرية. من هذه العلامات:
- فقدان السيطرة على الاستخدام
- الاستمرار في السلوك رغم العواقب السلبية
- ظهور أعراض انسحاب عند التوقف
- تدهور في الأداء الدراسي أو المهني أو العلاقات
- التفكير المستمر في السلوك أو التخطيط له
بالنسبة لهؤلاء الباحثين، فإن الأعراض، والسياق، وتأثير السلوك على الحياة اليومية تشبه تماما حالات الإدمان المعروفة مثل المقامرة أو حتى الإدمان على المخدرات (ليس في الدرجة مثل ما تروج له أحيانا الميمز ومقالات الأدسنس عندما تشبه الهاتف بالكوكايين بل تشابه في النوعية)، ودراسات تصوير الدماغ، وتجارب العلاج، والسلوكيات القهرية تدعم هذا الرأي.
موقفهم باختصار: إذا كان السلوك يتطابق في الأعراض والتأثيرات مع الإدمان فهو إدمان.
من يعارض هذا التوصيف؟
في المقابل، هناك تيار من العلماء - غالبا مرتبطون بمجالات التكنولوجيا أو السياسات العامة - يحذرون من استخدام مصطلح "إدمان التكنولوجيا". هم لا ينكرون أن بعض الأفراد يعانون من استخدام "مفرط" و"ضار"، لكنهم يجادلون أنه:
- لا يوجد اعتماد Dependency جسدي كما في المخدرات
- المعايير التشخيصية ما تزال غير مستقرة علميا
- معظم الحالات تكون نتيجة عوامل نفسية واجتماعية مسبقة (مثل الاكتئاب أو القلق)
- الاستخدام الكثيف لا يعني بالضرورة خللا إذا لم يكن هناك تدهور وظيفي
هؤلاء العلماء يفضلون مصطلحات مثل "الاستخدام الإشكالي" أو "القهري"، ويرون أن الحديث عن "إدمان" قد يؤدي إلى هلع الآباء دون مبرر وجيه، وموجات من الحظر أو التشخيص المبالغ فيه.
يمكننا اختصار الفارق بين المعسكرين كما يلي:
| السؤال | علماء الإدمان | العلماء المؤيدون للتكنولوجيا |
|---|---|---|
| هل كل المستخدمين مدمنون؟ | لا | لا |
| هل بعض المستخدمين مدمنون فعليا؟ | نعم - وهناك حالات سريرية مؤكدة | ربما - لكن المصطلح غير دقيق أو غير مناسب |
| هل القهر والسلوك الإدماني متشابهان؟ | غالبا نعم – إذا أدى إلى ضرر واضح | لا – القهر قد يكون شديدا لكنه ليس مرضيا |
| هل يجب محاسبة شركات التكنولوجيا؟ | نعم – خاصة في تصاميم الإدمان المتعمدة | لا، أو فقط إذا ثبت وجود ضرر واضح ومباشر |
الخلاصة:
الخلاصة هي أننا، أنا وأنت، نعيش في عالم "التحت"، وهو عالم أكثر واقعية وكثافة من عالم "الفوق"، و ندرك تماما أنه أقرب إلى غابة؛ حيث يستهلك القوي الضعيف، والضعيف في عصرنا هذا هو الجاهل. وكما كان للسلاطين في العصور القديمة علماء يُسخرون معارفهم لخدمة الحاكم، إما طمعا في عطاياه أو خوفا من سطوته، فإن لسلاطين هذا الزمن علماء أيضا.
وعندما ننظر إلى العلماء الصادقين في ميدان دراسة الإدمان، يتضح لنا مليا من خلال تحليل مواقف كلا المعسكرين أنهم أكثر اتساقا من الناحية التشخيصية.
فحين يستوفي شخص ما معايير الإدمان المعروفة، ينبغي تشخيص حالته بوضوح وتقديم الدعم والعلاج له، حتى لو كان ما "يدمنه" سلوكا تقنيا ليس "مادة".
في المقابل، فإن المعسكر المؤيد للتكنولوجيا، سواء كانت خرجاتهم مبنية على نوايا علمية أو لا، إلا أن نبرته الدفاعية المتكررة تثير تساؤلات. إذ يبدو، في بعض الأحيان، أن الخطاب الموجه من هذا الفريق يخدم مصالح الشركات أو ينسجم مع أيديولوجيات معينة، أكثر مما يخدم الصحة العامة.
وفي النهاية، فإن الاستخدام القهري للتكنولوجيا، حين يسبب ضررا ملموسا للفرد، هو إدمان، بصرف النظر عن طبيعته أو تسميته.
إن التردد في تسميته كذلك لا يؤدي سوى إلى تأخير التدخل العلاجي، وتبرير التصاميم المؤذية التي تتعمدها بعض المنصات الرقمية.
وإذا كنا جادين في معالجة هذه الظاهرة، فعلينا أن نأخذ معاناة الأفراد على محمل الجد، وأن نطور معايير تشخيصية دقيقة، وأن نخضع من يصمم هذه المنصات للمساءلة - تماما كما يساءل من يصنع العقاقير والأدوية، أقصد كما يساءل بائعي الجوارب والسمك والنعناع المتجولين.
وستعطى الأولوية الكبرى في هذا الكتاب لمساعدتك على تجنب ومعالجة الظروف التي قادتك أو قد تقودك يوما ما إلى الوقوع في فخ أي إدمان يستنزف جودة حياتك.