الذكورة السامة - النسوية كنموذج

Header Image النسوية:

Lyrics: فرنسا
Production: أمريكا
Mixing: ألمانيا

النسوية كما تُقدم في الثقافة السائدة اليوم تُصور كصرخة قوقازيات شجعاعات للتحررر من قهر النظام الأبوي والمطالبة بالمساواة والحقوق. لكن عند تتبع فقط البنية التحتية السياسية والمالية التي احتضنتها "بغض النظر عن البنية الدموية السلالاتية لعناصرها"، خصوصا في الموجة الثانية، يظهر لنا كيف أنها لم تكن تلك الحركة الاجتماعية العفوية كما نتخيل، بقدر ما هي مشروع يضرب في المدى الطويل لإعادة تشكيل الوعي الإنساني بإشراف نخب فكرية واقتصادية شاذة هدفها إعادة بناء المكون البشري وفق قالب مادي خالص منفصل عن المصدر.

الموزع

بعد الحرب العالمية الثانية، أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية واحدة من أعقد عمليات "القوة الناعمة" في التاريخ: الحرب الثقافية الباردة.

استخدمت الأدب، والفن، والجامعات، والمجلات، وصناع محتوى الثقافة العامة لتوجيه الفكر العالمي "ضد الخطر الشيوعي" - ونضع هذا بين مزدوجتين لأنه كان مسرحا سياسيا لإخفاء الحرب الحقيقية: الحرب ضد القيم التقليدية، والدين، والأسرة.

وأُنشئت لهذه المهمة منصة ثقافية ضخمة: Congress for Cultural Freedom عملت في أكثر من 30 دولة، ومولت مجلات فكرية، وندوات، وجامعات، ودور نشر، وصناع محتوى ثقافي، ودعمت نخب هجينة من مفكرين ليبراليين وماركسيين. من بينهم كثير من الأسماء التي أصبحت لاحقا مرجعا لمجمل أدبيات Second hand knowledge التجارية للحركات النسوية التحررية وما بعد الحداثية، فرخت لاحقا "اليوم" تيارات السوشيال فيمينزم على ميتا وتيكتوك ويوتيوب والساتيلايت التي لم تعد في حاجة سوى لانطباعات عاطفية والميمز.

كتاب "The Cultural Cold War: The CIA and the World of Arts and Letters" يوثق هذه العمليات بتفاصيل دقيقة حيث مولت الـCIA مئات الكُتاب والمجلات في الغرب لتوجيه النخب نحو فكر علماني مادي.

من أبرز الأسماء في المشهد النسوي الأمريكي غلوريا شتاينم، التي عملت مع Independent Research Service، وهي منظمة تلقت تمويلا مباشرا من الـCIA لدعم مؤتمرات نسوية في أمريكا وأوروبا والعالم الثالث. التمويل لم يكن اعتباطيا في سبيل الله، بل كان أداة هندسة فكرية تهدف لتوجيه الخطاب النسوي بما يخدم مصالح الهيمنة الأمريكية الثقافية والاقتصادية.

لدينا عادة انطباع ساذج عن كيفية عمل الاستخبارات، نتخيل عميل جالس مع الشخص في مائدة ويدس له تحتها فلوس، أو صوره عاري، لكن لفهم كيف كان يتم بالضبط توجيه هؤلاء الUnwitting assets، أقرب مثال سنجده في شهادات ممثلات الإباحية، حول كيفية تعامل أصحاب شركات الإنتاج والاستوديوهات معهم في أول لقاء.

المصنع

فرنسا كانت الحاضنة الفلسفية. من مطابخ باريس خرجت المفاهيم التي نزعت القداسة عن الأنوثة والأسرة والدين. البيئة الفكرية الفرنسية بعد الحرب كانت تعج بتيارات الوجودية وما بعد البنيوية، التي قادها فلاسفة مثل سيمون دي بوفوار، سارتر، ميشيل فوكو، دريدا، دولوز. كلهم اشتركوا في هدف تفكيك المعنى الثابت، وإنكار أي جوهر إنساني أو أخلاقي مطلق.

سيمون دي بوفوار، عندما لم تكن مشغولة بالتحرش الجنسي بالطالبات، كانت تكتب في كتابها الجنس الآخر أسس فكرة أن "المرأة لا تولد امرأة، بل تُصنع اجتماعيا"، وهي المقولة التي أصبحت الركيزة الأولى للنسوية المعاصرة. فوكو عندما لم يكن مشغولا بالبحث في تونس عن مراهق ليدخل ذراعه في مؤخرته، كان يقدم أدوات تحليل السلطة والمعرفة التي صارت لاحقا محورا لخطاب "الجندر والسيطرة البطريركية". دريدا أدخل مفهوم "التفكيك" الذي سمح بإعادة قراءة النصوص والدين والتاريخ من منظور نسبوي.

أسماء فرنسية High end كان يشعر الأمريكي الأكاديمي بدغدغة في الإيغو عند اقتباسها، مثل كيف يشعر عند طلب الأكل في مطعم فرنسي، مثل كيف مايزال يشعر معظم أكاديمي وموظفي الجامعات العربية الفرونكوفونيين أثناء شطحاتهم التعبيرية في المحاضرات. جوديث بتلر كمثال، التي صاغت نظرية "الجندر كأداء تمثيلي".

الخلفية الفكرية

مدرسة فرانكفورت، مطبخ آخر كان يعد في الظل الإطار النظري الأعمق لما سمي لاحقا "الثقافة النقدية" Critical Theory. تكونت من بزودو-فلاسفة مثل ماكس هوركهايمر، هربرت ماركوز، ثيودور أدورنو، الذين دمجوا الماركسية بالتحليل النفسي وبنقد الثقافة الحديثة. ماركوز في كتابه Eros and Civilization دعا إلى "تحرير الغرائز الجنسية" كطريق للتحرر السياسي، ما أصبح لاحقا دعامة فكرية أخرى للثورة الجنسية والنسوية الراديكالية في الستينات.

نخب مدرسة فرانكفورت كانوا ذو خلفية يهودية علمانية، حملت معها إرثا نقديا تمرد على الدين والسلطة والعائلة بوصفها مؤسسات قمعية وكذا. هذا التمرد رغم أنه لم يكن دينيا بالمعنى التقليدي، أعاد إنتاج الحس العدمي الشبقي والتمرد الذي طبع الحركات الصوفية الهرطقية في أوروبا الشرقية مثل الفرانكية والساباتية، شيع يهودية لها سوابق في الشذوذ ومعاداة كل ما هو فطري "اسأل أقرب ذكاء اصطناعي عن الهيستيريا الجماعية التي حصلت لنصف يهود العالم أيام الساباتية".

الدروبشيبينغ

حين نضجت هذه الفلسفات في أوروبا، تبنتها الجامعات الأمريكية وصنعتها في قوالب أكاديمية وسياسات تعليمية وإعلامية. بتمويل من مؤسسات كـ"روكفيلر" و"فورد"، وبدعم من الأمم المتحدة ومنظمات التنمية، جرى تصدير هذه المنظومة إلى العالم الثالث تحت عناوين مثل "تمكين المرأة" و"المساواة الجندرية".

في الفترة نفسها، كان الأتموسفير الشاذ العام ينضج أكثر وأكثر وتتوسع معاجمه ومراجعه، خصوصا في الولايات المتحدة، التي بنت مختبراتها لتطبيق هذه الرؤى على الإنسان نفسه. النسوية كانت جزءا من مناخ فكري واحد هدفه إعادة تعريف الطبيعة البشرية. في هذا المناخ، وفي ذلك الموسم من السلسلة، ظهرت شخصيات جديدة مثل الطبيب جون ماني في جامعة جونز هوبكنز، مؤسس مصطلحي الهوية الجندرية والدور الجندري، اللذين سيصبحا لاحقا ركائز للفكر النسوي الأكاديمي، ويصل بعد عقود لأقل عشرينية جالسة أمام كاميرا استوديو خلفيته ملونة في أقل صفحة عربية ليبيرالية تردد المصطلحات بثقة كأنها حقائق علمية.

اعتبر ماني أن الهوية أيضا تكتسب اجتماعيا لا بيولوجيا، فحول الفلسفة إلى تجربة عملية، كما في قصة ديفيد رايمر، التي استخدمها لإثبات نظريته رغم فشلها المأساوي وانتهاء التجربة في آخر المطاف بانتحاره. ورغم سقوط النظرية علميا، دخلت مفاهيمه بسرعة الجامعات واستخدمت لتبرير أطروحات لاحقة مثل جوديث بتلر المذكورة سابقا، التي نقلت الفكرة إلى مستوى فلسفي - سياسي جديد Gender Trouble. بالموازاة، كان الباحث ألفريد كينسي ينشر تقاريره عن السلوك الجنسي بتمويل من مؤسسة روكفيلر، مقدما الجنس كطيف سائل لا تحكمه فطرة. ثم جاء هاري بنجامين وماجنوس هيرشفيلد ليدعما التحول الجنسي كحق طبي.

هؤلاء لم يؤسسوا النسوية، لكنهم صنعوا البيئة الأكاديمية العلمية التي منحتها شرعية فكرية، مثل العائلات والنخب الأكاديمية وراء البيئة المعاصرة اليوم "سنذكرهم في وقت آخر".

أما في شمال إفريقيا والعالم العربي، فدخل ذلك رسميا "بغض النظر عن المحاولات والاستثمارات الفردية" عبر القنوات الفرنسية: المعاهد الثقافية، التعاون الأكاديمي، المنح الدراسية، والمنظمات غير الحكومية، التي صنعت نخبا محلية تكرر النموذج الغربي دون إدراك للسياق التاريخي الذي وُلد فيه.

ما قبل النسوية

أي نعم المرأة في العالم الإسلامي لم تكن تعيش وضعا مثاليا، لكنها كانت تملك في الإطار الإسلامي حقوقا وكرامة لم تعرفها نساء الغرب إلا بعد قرون، وأي نعم سمعتها بما يكفي لتشعر أنها كليشي لكن من بين أعراض الحقيقة أنك ممكن تسمعها أكثر من مرة. فبينما في أوروبا كانت المرأة حتى القرن التاسع عشر تعد قاصرا قانونيا، ولا تملك حق التملك أو التصرف المالي أو الإرث. كانت في الشريعة الإسلامية، تملك المرأة حق التملك، التعليم، الإرث، والاختيار في الزواج منذ أربعة عشر قرنا.

المشكلة لم تكن في روح المنهج، بل في ضعف تطبيق المنهج العادل المتعارف عليه، وهو الإسلام، ما فتح الباب أمام أغلبية من الرجال - أفرادا وقبائل ومجتمعات - للخروج عن القانون والشرع والتقاليد السليمة ـ إما عبر تزييف النصوص ومعانيها، أو عدم الاكتراث لها نهائيا وتحقيق قوانين قبلية بعيدة عن الشريعة تظلم النساء.

لكن هذا الظلم من جهة أخرى لم يكن موجها للمرأة لذاتها بشكل حصري، بل كان مظهرا من مظاهر الانحراف العام الذي أصابت المجموعة البشرية الإسلامية حين ابتعدت عن دينها ومنهجها الرباني، فكان ضحية ذلك رجالا ونساء وأطفالا وحيوانات وبيئة.

النسوية ليست حركة نسوية، هي حركة ذكورية سامة تبيدق الأنوثة، طفل غير الشرعي لOrgy بين الفلسفة، السياسة، الاقتصاد، والبروباغاندا الاستخباراتية. نعم بدأت كاحتجاج مشروع ضد الظلم، لكن مثل كل روح تصحيحية، تم الركوب عليها لإعادة تشكيل الوعي والهوية حسب المصالح النخبوية.

بعض المراجع للوناسة:

  • Occult Feminism: the Secret History of Women's Liberation
  • The Cultural Cold War: The CIA and the World of Arts and Letters
  • The Anti-Mary Exposed: Rescuing the Culture From Toxic Femininity

ما يزال يتوسع هذا المشروع اليوم عبر أدوات جذابة جديدة، دعاية مستمرة عبر فيديوهات الEdit والراب والأفلام والمسلسلات والمؤثرات وروحانيات العصر الجديد، لم تعد تحتاج كثيرا لمن يمولها، تحتاج فقط لمن يدمنها. غسيل الدماغ بالتكرار، تتغذى على وقت البنات وانتباههن، وتروماتهن، وانفعالهن، خصوصا مع الManosphere، حيث البرمجة الرقمية للرجال هم أيضا.

كلما قضيتِ وقتا أطول على هاتفك، زاد تأثيرها عليك حتى وإن كنت مدركة لها.

فيمكن البدء هنا:

الدليل العملي للتخلص من الإدمان على الهاتف

أحدث أقدم

نموذج الاتصال